من وراء الستار: كيف تنصب شركات برمجة وهمية على العملاء بأسعار مغرية؟
في زمن التحول الرقمي السريع، أصبحت البرمجيات وتطبيقات الهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية العمود الفقري لأي مشروع تجاري ناجح. ومع تزايد الحاجة إلى حلول تقنية متطورة، ازداد عدد الشركات التي تقدّم خدمات البرمجة والتطوير في السوق، لا سيما في بيئة حيوية مثل دولة الإمارات العربية المتحدة.
لكن هذا الازدهار في السوق الرقمي لم يخلُ من التحديات، ولعلّ أبرزها ظهور شركات وهمية ترفع شعارات الاحتراف وتقدّم أسعاراً مغرية بشكل غير منطقي، في محاولة لاستقطاب العملاء سريعًا. في هذا المقال، نكشف الستار عن الأساليب التي تعتمدها تلك الجهات الوهمية للنصب على العملاء، ونوضح كيف يمكن التمييز بينها وبين الشركات الجادة المحترفة.
الواجهة البراقة: صورة أكبر من الحقيقة
أولى خطوات الاحتيال تبدأ من المظهر. تقوم هذه الشركات بإنشاء مواقع إلكترونية مصممة بعناية لتبدو احترافية، وتعرض نماذج أعمال بعضها مسروق أو وهمي. تُزين صفحاتها بشعارات لعلامات تجارية شهيرة، وتستخدم عبارات تسويقية مثل “خبرة 10 سنوات” أو “خدمنا أكثر من 1000 عميل حول العالم”.
في الواقع، لا تمتلك هذه الجهات أي سجل تجاري فعلي في الإمارات، وغالباً ما تكون مجرد أفراد يعملون من منازلهم، أو فرق برمجة خارجية تدير عملياتها بشكل غير قانوني، دون أي التزام بمستويات الخدمة أو الضمانات التي تعد بها.
الأسعار المنخفضة: الطُعم الأساسي
العنصر المشترك بين جميع هذه الشركات هو تقديم أسعار منخفضة جداً مقارنة بالسوق. فتجد عروضاً مثل “تصميم موقع احترافي بـ 799 درهم” أو “تطبيق موبايل بـ 1499 درهم شامل كل شيء”. وبالنسبة للعميل غير المتخصص، قد يبدو هذا العرض فرصة ذهبية لا تُفوّت.
لكن الحقيقة أن تكلفة تطوير تطبيق أو موقع بمواصفات مقبولة يتطلب وقتًا وجهدًا وخبرة لا يمكن تغطيتها بهذه الأسعار. وغالباً ما يكون الناتج:
منتج غير مكتمل.
واجهات ضعيفة أو غير متوافقة مع الأجهزة.
ثغرات أمنية خطيرة.
عدم وجود لوحة تحكم فعالة.
أو ببساطة: لا يتم التسليم مطلقًا.
العقود المبهمة أو الغائبة
من أبرز الحيل التي تستخدمها الشركات الوهمية هو تجنّب توقيع عقود واضحة، أو تقديم عقود سطحية لا تحتوي على تفاصيل دقيقة حول المخرجات، المدد الزمنية، أو سياسة الدفع. في كثير من الحالات، يكتفي العميل بمحادثة واتساب أو بريد إلكتروني يحتوي على عرض عام.
وهذا يمنح الشركة مساحة كبيرة للمماطلة والتلاعب. فعند حدوث خلاف أو تأخير، لا يكون لدى العميل أي وثيقة رسمية يمكن استخدامها لمحاسبة الطرف الآخر أو استعادة الحقوق.
الانتحال والتمويه الجغرافي
بعض الشركات توهم العملاء بأنها مقرها في الإمارات، مستخدمة أرقام هواتف محلية (عبر تقنيات VoIP) وعناوين بريد إلكتروني رسمية. بل وقد تدّعي وجود مكتب في دبي أو أبوظبي باستخدام صور مأخوذة من الإنترنت.
وعند التحقيق، يتضح أن عملياتهم تدار فعلياً من خارج الدولة، غالباً من بلدان لا يمكن فيها مقاضاة الشركات أو استرجاع الحقوق بسهولة.
عدم الالتزام بالتسليم أو الدعم الفني
من أكثر الشكاوى شيوعاً من ضحايا هذه الشركات:
تأخر في تسليم المشروع لأشهر.
تجاهل الرسائل بعد استلام الدفعة الأولى.
تسليم منتج مبدئي فقط، ثم طلب دفعات إضافية غير مبررة.
اختفاء تام بعد التسليم دون دعم أو صيانة.
وفي كثير من الحالات، لا يملك العميل الكود المصدري أو حقوق الوصول، ما يعني أنه لا يستطيع التعديل أو نقل المشروع إلى شركة جديدة بسهولة.
تقييمات ومراجعات مزيفة
الشركات الوهمية تعرف جيداً أن العملاء يبحثون عن التقييمات قبل اتخاذ القرار. لذلك تلجأ إلى شراء تقييمات إيجابية من منصات مثل Google Reviews أو Clutch، أو تطلب من أصدقاء ومعارف نشر تقييمات وهمية.
غالباً ما تكون هذه التقييمات عامة، قصيرة، ومتكررة في أسلوبها. بينما تغيب عنها التفاصيل الفنية التي تميز التقييمات الحقيقية مثل وصف تجربة العمل، مراحل المشروع، وجودة التواصل.
ما الذي يجب الانتباه إليه قبل التعاقد؟
لحماية نفسك من الوقوع ضحية لهذه الشركات، تأكد من الأمور التالية قبل اتخاذ أي قرار:
✅ الرخصة التجارية: اطلب نسخة من الرخصة التجارية المسجلة في الإمارات، وتحقق من صلاحيتها.
✅ العقد المفصل: لا تبدأ المشروع دون توقيع عقد رسمي يتضمن كل التفاصيل (المدة، التكاليف، مراحل المشروع، سياسة الإلغاء، الدعم الفني).
✅ المرجعيات الحقيقية: لا تكتفِ بمشاهدة معرض الأعمال. تواصل مع عملاء سابقين واسألهم عن تجربتهم مباشرة.
✅ اللقاء المباشر: أصرّ على إجراء مكالمة فيديو أو لقاء شخصي مع مدير المشروع أو المطور الرئيسي.
✅ المنصات المحمية: حاول أن تتعامل عبر منصات تحمي حقوقك مثل Upwork أو منصات الفوترة المحلية التي تحفظ سجل العمليات.
